الحب في زمن الانترنيت
أ. نشأت نزهة
أحد الشباب ممن يستخدمون الإنترنت كثيراً، عثر وبالصدفة على موقع ٍ يخصّ إحدى الفتيات ومن بلدٍ بعيد، بدأ الاتصال بين الشاب والفتاة، وازداد تدريجياً ليصبح بعد فترةٍ ساعاتٍ طويلة حيث أخبرته الفتاة عنها وعن أهلها وبلدها ومجتمعها وطريقة حياتها واهتماماتها، وبالمقابل أخبرها الشاب كل شيءٍ عنه وعن مجتمعه وعمله وأهله.. وشيئاً فشيئاً بدأت تتولَّد بينهما اهتمامات مشتركة وشعور الاهتمام ِ بالآخر وترقـّب الاتصال، وفي أحد الاتصالات طلبت منه أن يأتي إلى بلدها ليتعارفا أكثر ويرى بلدها وأهلها وكيف تعيش، فكَّر في الأمر ملياً ثم حزم أمره على السفر إلى بلدٍ يبعد عن بلده آلاف الكيلومترات، لم يشعر بنفسه إلا وهو يصعد سلم الطائرة ويجلس في مقعده ثم يلقي نظرة ً على النافذة المطلّة على أرض المطار. عند إقلاع الطائرة كان فرحاً لأنه سيرى الفتاة التي شغلته على الإنترنت وسيتكلمان وجهاً لوجه مع أنه يشعر وكأنه يعرفها منذ سنوات.
ومضى أسبوعان.. رنَّ الجرس في منزل الوالدين هنا في سوريا، فتحت الأم الباب لترى ابنها الشاب وقد عاد من رحلته القصيرة وهو يصطحب معه الفتاة التي ذهب لزيارتها، وعندما سأله والده عنها قال: لقد تزوَّجنا، فهزَّ الوالد رأسه وهو يقول: إنه زمن الإنترنت!!..
بعد سماعي هذه الحادثة لم تفاجئني مجرياتها ولكنها أعادت إلى ذاكرتي ما كان يحدث منذ سنواتٍ ليست ببعيدة عندما كان يتقدم أحد الشبان إلى خطبة فتاة، حتى لو كانت تسكن في نفس حيه ولا تبعد عن منزله أكثر من أمتارٍ قليلة يقوم بإرسال والدته لتمهد له الطريق وهو بالكاد يعرفها مع أنه بذل المستحيل لكي يتمكن من رؤيتها ولو لمرةٍ واحدة دون أن يستطيع التكلم معها.
أما شباب هذه الأيام فقد اخترقوا أسوار البيوت وفتحوا أبوابها دون حاجةٍ إلى الوالدة أو الأخت أو الجارة وغيرهنَّ.. ووصلوا إلى مسافاتٍ شاسعة وبلدانٍ بعيدة، فهل اختزل الإنترنت دور الخاطبة القديمة التي كانت تدور من بيتٍ لبيت وهي بمفهومها تقوم بمهمة إنسانية وهي (التوفيق بين رأسين بالحلال).
وقياساً على ذلك فالإنترنت ينتقل ليس من بيتٍ لبيت، بل من دولةٍ إلى دولة. كل ذلك يحدث ونحن في بداية القرن الحادي والعشرين فتخيَّلْ يا صديقي في منتصفه ماذا سيحدث، وحقيقة ً كما يُقال: "إنَّ العالم أصبح قرية ً كبيرة".